اختفائهلم يرتح جيفارا للحياة السياسية فاختفى، ونشرت مقالات كثيرة عن مقتله لكي يرد لعل رده يحدد مكانه لكنه لم يرد.
نشرت
وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية شائعات تدعي فيها اختفاء إرنستو تشي
جيفارا في ظروف غامضة، ومقتله على يد زميله في النضال القائد الكوبي فيدل
كاسترو، ممااضطر الزعيم الكوبي للكشف عن الغموض الذي اكتنف اختفائه من
الجزيرة للشعب الكوبي فأدلى بخطابه الشهير الذي ورد في بعض أجزائه ما يلي:
«لدي
هنا رسالة كتبت بخط اليد، من الرفيق إرنستو جيفارا يقول فيها: أشعر أني
أتممت ما لدي من واجبات تربطني بالثورة الكوبية على أرضها، لهذا أستودعك،
وأستودع الرفاق، وأستودع شعبك الذي أصبح شعبي. أتقدم رسميا باستقالتي من
قيادة الحزب، ومن منصبي كوزير، ومن رتبة القائد، ومن جنسيتي الكوبية، لم
يعد يربطني شيء قانوني بكوبا.»
في أكتوبر 1965 أرسل جيفارا رسالة
إلى كاسترو تخلى فيها نهائيا عن مسؤولياته في قيادة الحزب، وعن منصبه
كوزير، وعن رتبته كقائد، وعن وضعه ككوبي، إلا أنه أعلن عن أن هناك روابط
طبيعة أخرى لا يمكن القضاء عليها بالأوراق الرسمية، كما عبر عن حبه العميق
لكاسترو ولكوبا، وحنينه لأيام النضال المشترك.
أكدت هذه الرسالة
إصراره على عدم العودة إلى كوبا بصفة رسمية، بل كثائر يبحث عن ملاذ آمن
بين الحين والآخر. ثم أوقف مساعيه الثورية في الكونغو وأخذ الثائر فيه
يبحث عن قضية عالمية أخرى.
و قد قال في ذلك: "..ان الثورة تتجمد
وان الثوار ينتابهم الصقيع حين يجلسون فوق الكراسي، وأنا لا أستطيع أن
أعيش و دماء الثورة مجمدة داخلي."
الكونغوفي
عام 1965 سافر جيفارا إلى الكونغو وسعى لإقامة مجموعات حرب عصابات فيها.
ومع أن فكرته لم تلق صدى واسعا لدى بعض القادة، أصر جيفارا على موقفه،
وتموه بملابس رجل أعمال ثري، لينطلق في رحلة طويلة سافر فيها من بلد إلى
آخر ليواجه المصاعب تلو الأخرى.
ذهب "تشي" لأفريقيا مسانداً
للثورات التحررية، قائدا لـ 125 كوبيا، ولكن فشلت التجربة الأفريقية
لأسباب عديدة، منها عدم تعاون رؤوس الثورة الأفارقة، واختلاف المناخ
واللغة، وانتهى الأمر بالـ"تشي" في أحد المستشفيات في براغ للنقاهة، وزاره
كاسترو بنفسه ليرجوه العودة، لكنه بقي في زائير (جمهورية الكونغو
الديمقراطية) محارباً بجانب قائد ثورة الكونغو باتريس لومومبا، لكنه فجأة
ظهر في بوليفيا قائدا لثورة جديدة، ولم يوثق هذه المرحلة سوى رسائله
لفيديل كاسترو الذي لم ينقطع الاتصال معه حتى أيامه الأخيرة.
بوليفيالم
يكن مشروع "تشي" خلق حركة مسلحة بوليفية، بل التحضير لرص صفوف الحركات
التحررية في أمريكا اللاتينية لمجابهة النزعة الأمريكية المستغلة لثروات
دول القارة. منذ بداية عام 1967 وجد جيفارا نفسه مع مقاتليه العشرين،
وحيداً يواجه وحدات الجيش المدججة بالسلاح بقيادة السي أي إيه في براري
بوليفيا الاستوائية. أراد جيفارا أن يمضي بعض الوقت في حشد القوى والعمل
على تجنيد الفلاحين والهنود الحمر من حوله، ولكنه أجبر على خوض المعارك
مبكراً.
وقد قام "تشي" بقيادة مجموعة من المحاربين لتحقيق هذه
الأهداف، وقام أثناء تلك الفترة الواقعة بين 7 نوفمبر 1966 و7 أكتوبر 1967
بكتابه يوميات المعركة.
اغتيالهألقي
القبض على اثنين من مراسلي الثوار، فاعترفوا تحت قسوة التعذيب أن جيفارا
هو قائد الثوار. فبدأت حينها مطاردة لشخص واحد. بقيت السي أي أيه على رأس
جهود الجيش البوليفي طوال الحملة، فانتشر آلاف الجنود لتمشيط المناطق
الوعرة بحثا عن أربعين رجلا ضعيفا وجائعا. قسم جيفارا قواته لتسريع
تقدمها، ثم أمضوا بعد ذلك أربعة أشهر متفرقين عن بعضهم في الأدغال. إلى
جانب ظروف الضعف والعزلة هذه، تعرض جيفارا إلى أزمات ربو حادة، مما ساهم
في تسهيل البحث عنه ومطاردته.
في يوم 8 أكتوبر 1967 وفي أحد وديان
بوليفيا الضيقة هاجمت قوات الجيش البوليفي المكونة من 1500 فرد مجموعة
جيفارا المكونة من 16 فرداً، وقد ظل جيفارا ورفاقه يقاتلون 6 ساعات كاملة
وهو شيء نادر الحدوث في حرب العصابات في منطقة صخرية وعرة، تجعل حتى
الاتصال بينهم شبه مستحيل. وقد استمر "تشي" في القتال حتى بعد موت جميع
أفراد المجموعة رغم إصابته بجروح في ساقه إلى أن دُمّرت بندقيته (م-2)
وضاع مخزن مسدسه وهو مايفسر وقوعه في الأسر حياً. نُقل "تشي" إلى قرية
"لاهيجيرا"، وبقي حياً لمدة 24 ساعة، ورفض أن يتبادل كلمة واحدة مع من
أسروه. وفي مدرسة القرية نفذ ضابط الصف "ماريو تيران" تعليمات ضابطيه:
"ميجيل أيوروا" و"أندريس سيلنيش" بإطلاق النار على "تشي".
دخل
ماريو عليه متردداً فقال له "تشي": أطلق النار، لا تخف؛ إنك ببساطة ستقتل
مجرد رجل"، لكنه تراجع، ثم عاد مرة أخرى بعد أن كرر الضابطان الأوامر له
فأخذ يطلق الرصاص من أعلى إلى أسفل تحت الخصر حيث كانت الأوامر واضحة بعدم
توجيه النيران إلى القلب أو الرأس حتى تطول فترة احتضاره، إلى أن قام رقيب
ثمل بإطلاق رصاصه من مسدسه في الجانب الأيسر فأنهى حياته.
وقد رفضت السلطات البوليفية تسليم جثته لأخيه أو حتى تعريف أحد بمكانه أو بمقبرته حتى لا تكون مزاراً للثوار من كل أنحاء العالم.
وقد
شبّت أزمة بعد عملية اغتياله وسميت بأزمة "كلمات جيفارا" أي مذكراته. وقد
تم نشر هذه المذكرات بعد اغتياله بخمسة أعوام وصار جيفارا رمزاً من رموز
الثوار على الظلم. نشر فليكس رودريجيس، العميل السابق لجهاز المخابرات
الأميركية (CIA) عن إعدام تشي جيفارا. وتمثل هذه الصور آخر لحظات حياة هذا
الثوري الأرجنتيني قبل إعدامه بالرصاص بـ"لا هيجيرا" في غابة "فالي
غراندي" ببوليفيا، في 9 أكتوبر(تشرين الأول) من عام 1967. وتظهر الصور
كيفية أسر تشي جيفارا، واستلقائه على الأرض، وعيناه شبه المغلقتان ووجهه
المتورم والأرض الملطخة بدمه بعد إعدامه. كما تنهي الصور كل الإشاعات حول
مقتل تشي جيفارا أثناء معارك طاحنة مع الجيش البوليفي. وقبيل عدة شهور،
كشف السيد فليكس رودريجيس النقاب عن أن أيدي تشي جيفارا بُترت من أجل
التعرٌف على بصمات أيديه. في العام 1997م كشف النقاب عن جثمانه وأعيد إلى
كوبا، حيث قام الرئيس الكوبي السابق فيدل كاسترو بدفنة بصفة رسمية.
الرمز والاسطورةبعض أقوال تشي جيفارا:
•لا
يهمني متى واين سأموت. •لا أعرف حدوداَ فالعالم بأسره وطني. •ان الطريق
مظلم و حالك فاذا لم تحترق انت وانا فمن سينير الطريق. •اما أن ينتصر أو
يموت. وكثيرون سقطوا في طريق النصر الطويل. •الثوار يملؤون العالم ضجيجا
كي لا ينام العالم بثقله على أجساد الفقراء. •لن يكون لدينا ما نحيا من
أجله، ان لم نكن على استعداد أن نموت من أجله. •أؤمن بأن النضال هو الحل
الوحيد لأولئك الناس الذين يقاتلون لتحرير أنفسهم. •الثورة قوية كالفولاذ،
حمراء كالجمر، باقية كالسنديان، عميقة كحبنا الوحشي للوطن. •أنا لست
محررا، المحررين لا وجود لهم، فالشعوب وحدها هي من تحرر نفسها. •انني أحس
على وجهي بألم كل صفعة توجّه إلى مظلوم في هذه الدنيا، فأينما وجد الظلم
فذاك هو وطني • "..ان الثورة تتجمد وان الثوار ينتابهم الصقيع حين يجلسون
فوق الكراسي، وأنا لا أستطيع أن أعيش و دماء الثورة مجمدة داخلي."
سيظل صدى هذه الكلمات يتردد، ويلهم المئات في مكان وزمان، ما دام الظلم والعنف يسود هذا العالم.
عام
1968، غضب شبان العالم وخرجوا إلى الشوارع معلنين أنهم يستطيعون إنهاء
الحروب وتغيير ملامح العالم، وقد تحول هذا الرجل الثائر بعد موته إلى شهيد
لقضاياهم. أصبح يمثل أحلام ورغبات الملايين ممن يحملون صوره. علماً أنه
كان يمثل أيضا مجموعة من التناقضات، وكأن الموت حول ملامحه، ما يوحي بأنه
لو منحه أعداؤه الحق في الحياة، لربما عجزت أسطورته عن احتلال هذا المدى
العالمي الذي تنعم به اليوم.