النوم هو آخر محطة ينزلها الراكب بعد أن يقطع رحلة يومه , وعناء نهاره , فيأوي في بيته إلى مكان هادىء ومريح ومظلم , ويسلم نفسه لخالقها الذي يتولى حفظها ورعايتها , وتصريف أمورها وعمل أجهزتها قال تعالى :" ومن رحمته جعل لكم اليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون "[ القصص : 73] , وقال :" ومن آياته منامكم با ليل والنهار " [ الروم :23]
والنوم آية تدل على عظمة الله وقهره , وعلى ضعف الإنسان وفقره , فلولاه لكلت عضلاته , وشلت أعصابه , وانفجرت شرايينه فهو راحة له لاستعادة نشاطه وشحن قوته , رحمة من الله وفضلاً ونعمة وكرماً . قال تعالى :" وجعلنا نومكم سباتاً وجعلنا اليل لباساً وجعلنا النهار معاشاً " [ النبأ : 9-11]
والنوم صنو الموت , يعطل الحواس , ويفقد الوعي , ويلقي بالإنسان جثة هامدة , ليس فيها إلا قلب ينبض , ونفس يتردد , ودماء تجري بقدرة الله الواحد القهار .
وفي كل شيء له آية ************************* تدل على أنه واحد وليس هناك إنسان لا ينام , والنوم لا بد منه للإنسان . بل إن جزءاً كبير من عمر الإنسان ينقضي في النوم , من يوم يولد حتى يموت ,هذا وللنوم كيفية أرشدنا إليها الرسول صلى الله عليه وسلم , فعن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا آوى إلى فراشه نام على شقه الأيمن .............الحديث " رواه البخاري , وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال :" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا أراد أحدنا أن ينام أن يضطجع على شقه الأيمن ........الحديث " رواه مسلم.
إن السنة النبوية التي أمرنا الله تعالى بالإقتداء بها في قوله تعالى :" لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ...."[ الأحزاب : 21] تشمل فعله وقوله الذي يقوله آمراً وناهياً إلى جانب ما تشتمل عليه من الآداب , ومن ذلك طريقة النوم على الفراش ,فالنوم وإن كان حاجة
جسدية دنيوية فلا شك أن رسول الهدى يدلنا على مافيه خيرنا في الدنيا والآخرة فلا بد أن يكون في الطريقة التي اختارها للنوم راحة لأجسادنا , وفائدة لأعضائنا ودافعة للضرر الذي يمكن أن يحدث في غيرها,وأنها الصورة التي ارتضاها الله الخالق البارىء للإنسان .
فالنوم على الجانب الأيمن يريح الإنسان , حيث يريح الكبد الذي يبلغ وزنه 2كغ حيث يستقر الكبد على اليمين ويأتي فوقه القلب تتم عملية النوم بسلام , أما إذا نام الإنسان على الجانب الأيسر وركب الكبد فوق القلب تضطرب دورة الدم والقلب وتصاب بالقصور ويقل الدم الداخل إلى القلب وعندئذ ترسل الأجهزة إنذاراتها لمراكز الإحساس وتأتي هذه الإنذارات على شكل كوابيس يراها النائم بمخاوفها المختلفة فيصحو من نومه مضطرباً .
قال ابن الجوزي : النوم على الجانب الأيمن هيئة نص الأطباء على أنها أصلح للبدن , قالوا يبدأ با لإضطجاع على الجانب الأيمن ساعة ثم ينقلب على الجانب الأيسر . حيث أن النوم على الجانب الأيمن يجعل الطعام يستقر في المعدة استقراراً حسناً , فإن المعدة أميل إلى الجانب الأيسر قليلاً , ثم يتحول إلى الشق الأيسر ليسرع الهضم بذلك لإستمالة المعدة على الكبد , ثم يستقر نومه على الجانب الأيمن , ليكون الغذاء أسرع انحداراً على المعدة , فيكون النوم على الجانب الأيمن بداءة نومه ونهايتها .
وكثرة النوم على الجانب الأيسر مضرة بالقلب , بسبب ميل الأعضاء إليه فتنصب إليه المواد.
وأردأ أنواع النوم :النوم على الظهر ولا يضر الاستلقاء عليه للراحة من غير نوم . وأردأ منه أن ينام منبطحاً على وجهه, فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمن رآه نائماً على بطنه :" إن هذه ضجعة لا يحبها الله تعالى " رواه أحمد والترمذي , فينبغي الحذر من هذه النومة التي نهى عنها الرسول صلى الله عليه وسلم . وقد ذكر بعض أهل الطب أن هذه النومة إذا تكررت كثيراً وتعود عليها المرء تصبح خطيرة لأنها تعوق حرية الرئتين في الانتفاخ عند الشهيق .
ونوم النهار رديء يورث الأمراض الرطوبية والنوازل , ويفسد اللون , ويورث الطحال , ويرخي العصب , وأردؤه نوم أول النهار . وأردأ منه النوم آخره بعد العصر .
رأى عبد الله بن عباس ابناً له نائماً نومة الصبحة , فقال له : قم , أتنام في الساعة التي تقسم فيها الأرزاق .
و قيل نوم النهار ثلاثة : خلق , وخرق , وحمق .
نوم الخلق : نومة الهاجرة وهي خلق الرسول صلى الله عليه وسلم ( القيلولة )
نوم الخرق : نومة الضحى يشغل عن أمر الدنيا والآخرة .
نوم الحمق : نومة العصر , قال بعض السلف : من نام بعد صلاة العصر فاختلس عقله – فلا يلومن إلا نفسه .
ألا إن نومات الضحى تورث الفتى خبالاً **************** ونومات العصير جنون
وفي كثرة النوم : ضياع للعمر , وفوت التهجد , وبلادة الطبع , وقساوة القلب , والعمر أنفس الجواهر , وهو رأس مال العبد فيه يتجر , والنوم موت , فتكثيره ينقص العمر , ثم فضيلة التهجد لا تخفى , وفي النوم فواتها .
وكيف يكثر النوم في هذه الدنيا من ينتظر أطول رقدة له في القبر ؟ وكيف يسرف أحد في النوم وهو أخو الموت من الرضاع ؟! يا من قساوة قلبه أشد من الحجر ...
يا طويل الرقاد والغفلات .................. كثرة النوم تورث الحسرات
إن في القبر إن نزلت إليه................... لرقادا يطول بعد الممات
ومهادا ممهدا لك فيه .................... بذنوب عملت أو حسنات
أأمنت الهجوم من ملك الموت ******** وكم نال آمنا ببيات
كان طاووس يفترش فراشه ثم يضطجع عليه فيتقلب كما تقلى الحبة على المقلى ثم يثب فيدرجه ويستقبل القبلة حتى الصباح ويقول : طير ذكر جهنم نوم العابدين .
وكان شداد بن أوس إذا أوى إلى فراشه كأنه حبة على المقلاة فيقول : اللهم إن ذكر جهنم لا يدعني أنام , ثم يقوم إلى مصلاه
فهل نحن كذلك ؟ نسأل الله حسن الخاتمة . آمين